مابين ديمقراطية الشورى المنتخب والحكم الرشيد ومترادفات السلطة

الثلاثاء ١٥ ديسمبر ٢٠٢٠

ما بين ديمقراطية الشورى المنتخب والحكم الرشيد ومترادفات السلطة

بعد أن صوت الشعب نعم للدستور الدائم عام ٢٠٠٤ الذي يُمثل عقداً مجتمعياً دعا لهُ أبو الدستور أمير الحرية سمو الأمير الوالد بمشاركة شعبية بالمرسوم رقم (٣٨) لسنة ٢٠٠٣ حيثُ أُجري عليهِ استفتاء عام يوم الثلاثاء الموافق ٢٩/٠٤/٢٠٠٣
ليحل الدستور ‏الذي أرسى الدعائم الأساسية للمجتمع ونظم سلطات الدولة ومشاركتها الشعبية بضمانة الحقوق والحريات لأبناء قطر وفق مبادئ الدين الإسلامي وتراث الأجداد‏ والانتماء الحضاري للدولة، محل النظام الأساسي المؤقت والمعدل للحكم الصادر في قطر سنة ١٩٧٠ وذلك إيمانا من سموه بأهمية ترسيخ أسس (الممارسة الديمقراطية) في حياتنا السياسية والاجتماعية وتدعيم مؤسسات الدولة وتعظيم دور المشاركة الشعبية فشكرا لمن وعد وأوفى.

وها نحن ابناء قطر نقول نعم مرة أخرى وبصوت واحد للشورى المنتخب الذي دعا له سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بخطابه في افتتاح دور الانعقاد العادي الـ ٤٩ لمجلس الشورى حيث تأتي دعوته لمجلس شورى منتخب في أكتوبر ٢٠٢١ في إطار السيادة وأحكام الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريعات والحكم الوراثي للدولة وفي إرساء قواعد (الحكم الرشيد) من خلال؛

أولاً: المشاركة الشعبية بعد انقضاء خمسون عاما تحددت خلالها أهداف سياسات الدولة وانتماءاتها الخليجية والعربية والإسلامية ووُضعت غاياتها الوطنية باعتماد رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠ عام ٢٠٠٨ التي اتخذت بموجبها سلطات الدولة الثلاث وأجهزتها وقطاعيها العام والخاص مساراً تنموياً منذ عام ٢٠١١ باعتماد سموه لأول استراتيجية للتنمية الوطنية.


ثانياً: تشكيل مجلس نيابي انتخابي
لتنظيم السلطات حسب المادة (٥٩) من الدستور التي تقضي بأن الشعب هو مصدر السلطات حيث برهن التاريخ وحصار قطر أن الشعوب هي صمام الأمان إذا تسلحت بالعلم وتحصنت بالمعرفة وكرست الديمقراطية واحترمت حقوق الانسان في مواجهة التحديات وتخطي الصعاب وشيدت مجتمع يتمتع بالحرية المسؤولة.


ثالثاً: إعادة النظر في دور الدولة وبنيتها المؤسسية لتثبيت دعائم الحكم الرشيد وإرساء قواعد (الديمقراطية) في بناء دولة المؤسسات في ظل سيادة القانون الذي تحرسه السلطة القضائية.


رابعاً: التخفيف من سلطة الدولة المركزية و(البيروقراطية) التنظيمية، بإعادة توزيع كثيرٌ من أدوارها السابقة على مؤسسات الدولة وأعضاء منتخبين ليكون الجميع على قدر المسؤولية حكومةً وشعباً في الاختيار المُعير بالأفضلية في شغل مراكز السلطة التنفيذية، ووعي الناخب في اختيار من يمثل حقوق المواطنة أفضل تمثيل بالمشاركة الشعبية في مراتب السلطة التشريعية لمواجهة التحديات والأزمات والضغوط مع الدولة في ظل تنامي الأزمات الجيوسياسية.


خامساً: القضاء على سطوة نفوذ مترادفات السلطة (البيروقراطية) (والكلبيتقراطية) التي غيبت دور الطبقة (التكنوقراطية) في المشهد التنموي.


وجميعنا نعلم في أي مشهد تنموي هناك شوائب مصاحبة لمسار السياسات الحكومية وأخرى تمثل تهديدات ومخاطر مرتبطة بالتحولات الاقتصادية والتجاذبات السياسية ومؤثرات التحديث على الجوانب الاجتماعية حيث أفرزت مترادفات السلطة مظاهر سلوكية بعيدة كُل البعد عن معايير النزاهة والشفافية والميثاق الأخلاقي للوظيفة العامة وأنماطاً إدارية أُخرى فيها مزيج من عناصر القوة والضعف متأثرة ومؤثرة بدرجات متفاوتة في قيم العمل المؤسسي وبأسباب تعود إلى كلٌ من:


🔹(البيروقراطية) في البنية الفوقية:
حيث أخذت البيروقراطية في الثلاث عقود الاخيرة شكل من أشكال:
١/التنظيم الهيكلي الفوقي الخاضع لسلطة مركزية عليا بالهرم المؤسسي لها كامل الصلاحيات، في حين لا تتمتع المستويات الدنيا من الهرم البيروقراطي بأي صلاحيات وبالأخص قوة العمل الكفؤة وطنياً والملتزمة مهنياً من ذوي الجدارة والاقتدار أهل الاختصاص الذين عادة ما يكونون عرضة للتعسف الإداري وإساءة استخدام السلطة والتهميش والتقاعد المبكر ومسميات ركن بين خبير مجير ومستشار لا يستشار ومعين غير ممكن ومواطن معطل ببطالة مقنعة في سلم الدرجات والوظائف واقتصاد معرفي مهدر لكوادر مؤهلة علمياً غير موّطنة وظيفياً وأخرى مدربة قيادياً غير مقررة وظيفياً.
فسمو الامير في خطابه الأخير موجهاً؛ "وأؤكد مرة أخرى أن الوظيفة في قطاعات الدولة المختلفة ليست مجرد استحقاق، بل هي واجب ومسؤولية. ولهذا لا بد من ربط الأجر والترقية بالجدارة والإنتاجية وتطبيق ذلك على جميع العاملين في الدولة بدون استثناء". 

٢/التعاطي المفرط لحق القوة العائد للحصانة المطلقة وسوء الإدارة في ظل ضعف رقابتي الأداء والمشروعية على قوة الحق بسيادة القانون وعلى معايير اختيار المستأجرين عملاً بالمبدأ الرباني في الاستئجار والاستئمان في قوله تعالى؛ (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).

٣/التطبيق غير المعير لأداة التدوير على المناصب في مختلف قطاعات الدولة، فالمرشحون للمناصب يظلّون في مستودع ذاكرة أهل القرار دائماً، فيتم اختيار بعضهم اليوم، ثم يُستغنى عنهم ليعودوا في تشكيلات أو تعديلات رئاسية أو وزارية أو عضوية صورية جديدة في مجالس عليا ومجالس إدارات ولجان ، فيجير ويدور ويكرر الفكر المؤسسي على حساب التطور المعرفي في الاقتصاد الوطني ، فمستودع الاختيار بقى ثابتًا جامعاً لا يتغير ولا يتبدل بالمتغيرات المعرفية الاقتصادية والسياسية والثقافية ولم يراعي تغير الظروف وتحديات الدولة ومتطلبات التحديث والتطوير المؤسسي بمستجدات التنمية.

🔹(الكلبيترقراطية) في البنية التحتية؛
حيث أن السمتان الرئيسيتان للكليبتوقراطية الفساد واللوبي التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالجهاز البيروقراطي فأوجدت بعض مظاهر الفساد الإداري بتمكين اللوبي من البنية التحتية المؤسسية مغيبة دور التخصصية الوطنية. وتنتهج بالنفوذ واللوبي الآلية المعروفة بإحداث التفرقة بالصراعات الداخلية بين مكونات النظام المؤسسي وفقا لمفهوم "فرّق تسد"، ولهذا يمكن الاستدلال على أنظمة عمل الكلبيتقراطية من الواقع الذي أوجدته، لكي تحافظ على مكاسبها من مراكزها، وإن ادعت غير ذلك حيث يتجلى الفساد المالي فيها بالأسلوب الذي يستخدم فيه المسؤولون المنصب والنفوذ لإثراء أنفسهم في ظل تعارض المصالح وعدم الإفصاح عن الذمة المالية قبل المنصب.
وتحاول دولة قطر تكريس مبدأ الشفافية والنزاهة والمساءلة، حيث تنطلق في ٢٠٢٠ النسخة الخامسة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد، التي تؤكد ريادة الدولة في مكافحة الفساد على نطاق عالمي، وتكريم وتشجيع كل من ساهم من أشخاص أو مؤسسات في محاربة هذه الظاهرة.


🔹تغييب (التكنوقراطية) في البنيتين؛
بسبب تفضيل تحكم الأوليجاركية (القلة المتنفذة) أو (المستبدة) المبنية على اختيار مجموعة من الموالين لهم والأقارب المقربين ومنحهم الدرجات العليا في النظام المؤسسي لتحقيق متطلبات الإدارة البيروقراطية ومكاسب الكلبيترقراطية وهذا أحدث تغييب واضح في البنيتين الفوقية والتحتية المؤسسية للأشخاص الأكفاء، الذين يمتلكون قدراً وافراً من الخبرات التراكمية المهارات التقنية، والصفات القيادية، والشهادات العلمية، والمعرفة التكنولوجية وحلول ناجعة للمشاكل الاجتماعية التي تواجه المواطنين، ولديهم منجزات للنهوض بالمجتمع، وُضعت عليها يد النفوذ وصادرت أصحابها .

ولكي تظل قطر أمينة على قيمها يتوجب عليها أن تتعامل مع خمسة تحديات رئيسية أشارت إليها رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠ تتمثل في الموازنة بين الخيارات التالية:

التحديث والمحافظة على التقاليد.
احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة.
النمو المستهدف والتوسع غير المنضبط.
مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المستهدفة.
التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.

ويحتاج كل تحدي من الآن أن تتضافر جهود مراكز البحوث والدراسات بجميع وزارت وأجهزة الدولة وأجهزة التخطيط والاحصاء والسكان ومراكز اتخاذ القرار ومراكز بحوث الجامعات الوطنية بإخضاعه للدراسة لحفظ مقدرات الوطن وحقوق الأجيال القادمة من العبث الأناني عند ممارسة التحول الديمقراطي والاستعداد لمستقبل ما بعد النفط.
فماهي الموائمات والملائمات التي قامت بها الدولة استعداداً لهذا الحدث الذي تفصلنا عنه عشرة أشهر من الآن على مستوى كلٌ من:

١/ التخطيط التنموي وقضايا التنمية المستدامة، حيث أن أهداف التنمية المستدامة SDGs، والمعروفة رسميًا باسم تحويل عالمنا وفق (جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة) وهي عبارة عن مجموعة من 17 هدفًا وُضعت من قِبل ‏منظمة الأمم المتحدة يقابلها في رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠ الركائز الأربعة البشرية الاجتماعية الاقتصادية والبيئية. وعدد ثمانية برامج قطاعية في الاستراتيجية الوطنية الثانية ٢٠١٨-٢٠٢٢، والتي منها ما يرتبط بانضمام دولة قطر إلى العهدين الدوليين لحقوق الإنسان (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المرسوم رقم (40) لسنة 2018، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب المرسوم رقم (41) لسنة 2018، وبذلك تصبح دولة قطر طرفا في سبع معاهدات أساسية لحقوق الإنسان من أصل تسع، حيث يحتوي العهدين الدوليين الذي وقعت عليهما قطر على تعهدات بكفالة جميع تلك الحقوق فضلا عن التزام الدولة بتقديم تقارير عما تسنه من تشريعات وإجراءات تنفيذا لتلك التعهدات، حيث أنه بمجرد انضمام الدولة لهذين العهدين، أصبحا جزءا من قوانينها وتشريعاتها، الملزم بالرجوع إليه في التشريع والقضاء والعمل الإداري ،كما إن للعهدين الدوليين قوة المعاهدات التشريعية بالنسبة لكافة الحكومات ‏التي صادقت عليهما وهذه تتطلب تكوين "مجلس استشاري "يضع السياسة قبل التشريع في جميع مجالات التنمية حتى لا تكون سيادتنا و شؤونا الداخلية وتشريعاتنا الوطنية عرضة لتدخل المنظمات الأممية بما يتعارض مع المصالح الوطنية .
حيث شهد مؤخراً تعديل قانون العمل تدخلاً يرتبط بأهم مكون اجتماعي اصطُلح على تسمية العمالة الوافدة فيه بالمهاجرة، وبقدر قياسه بمعدل تعدادها المؤثر في اختلال التركيبة السكانية وتداعياتها السياسية الأمر الذي يستوجب التوقف عنده في مسائل الأمن القومي والمستقبل السياسي للدولة. 

٢/ النظام التشريعي ومستوى موائمة التشريعات مع متطلبات الدستور فهل تم وضع آليات وضوابط ولوائح تنفيذية لموائمة التشريعات مع متطلبات الدستور ‏بما يحفظ أركان الوطن والشريعة الوطنية وحقوق المواطنة والمشاركة الشعبية حيث تقضي المادة (١) من الدستور “قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة دينها الاسلام والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها ونظامها ديمقراطي ولغتها الرسمية اللغة العربية وشعب قطر جزء من الأمة العربية".

‏٣/ إن الإصلاح لا يتحقق فقط بوضع التشريعات والخطط والاستراتيجيات وإنما يتحقق بممارسة المكلفين بإنفاذها من خلال وضع إطار سلوكي مراقب ذاتياً ورئاسياً ويرتكز على أساس الارتقاء الذي يتسع مفهومه ليشمل منظومة العمل ومعايير الأداء ومتابعتها على مستوى الحكومة ككل والمساءلة عن نتائجها ومحاسبة الخارجين عليها. 

وأخيراً مع الاقتراب من المسار الديمقراطي ولتحقيق نجاح دوره في خدمة مصالح الدولة والشعب القطري فعلينا أن نُحسن اختيار ممثلينا وعلى الحكومة أن تُحسن اختيار أدواتها ، حيث تعتبر السلطة والقيادة وظيفة في الخدمة العامة، ومنصة لإثبات الكفاءة والقدرة على تحقيق متطلبات الشعب القطري ورفاه واستقرار نظمه وحُسن استثمار رأس ماله البشري الأمر الذي يتطلب من طرفي العلاقة التنفيذية والتشريعية تلمس احتياجات الوطن والمواطن ، بسياسات قوامها العدل والمساواة، الموجبة بأن يتصف المرشح المنتخب والمسؤول المعين بالقدرة على دمج المجتمع المتعدد في السلطة والحكم والمشاركة، وأن يتمتع العضو المنتخب باستمرار بشرعية شعبية أساسها الانتخاب الشعبي النزيه والعام.

وحينها ستتميز تجربتنا الديمقراطية كما تميزت تجربتنا التنموية وسيادتنا الإقليمية وريادتنا الاقتصادية.

أصحاب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الشعب القطري يهنئكم بعيدنا الوطني ويعدكم بأنهم على خطاكم سائرين وعلى الله متوكلين قال تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.



فاطمة بنت راشد الخاطر
خبير في شؤون الاستراتيجيات والسياسات وحقوق المواطنة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنظمات الأممية والتدخل في سيادة الدول ١-٢

وقفة متأنية بين حقوق العمّال وحقوق أصحاب العمل

الحالمون واليوم الوطني