المنظمات الأممية والتدخل في سيادة الدول ٢-٢

الإثنين ٩ نوفمبر ٢٠٢٠

المنظمات الأممية والتدخل في سيادة الدول ٢-٢

(المنظمات الدولية ‏والشكل الجديد للاستعمار) .

ما يشغل بال الكثير منا اليوم في المجتمع الخليجي ‏من منظور إقليمي،‏ وفي المجتمع القطري من منظور وطني ، التغيرات والتحديات (السياسية)، (الاقتصادية والاجتماعية) (السكانية والعمالية) ، (الأمنية والدفاعية ) التي اعترضت دول الخليج ، وجعلت منها هدفاً للطامعين من اللاعبين الدوليين والقوى الإقليمية بالمنطقة ، والتي جعلت منها اليوم عرضة أكثر من أي وقت مضى للضغوطات الدولية وتدخلات المنظمات الأممية وهمشت دور مجلس التعاون كمنظومة.
وبالنظر في مستوى التحولات والتدخلات الأخيرة بالمنطقة تحت غطاء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والعهدين الدوليين ودرجة المخاطر والمهددات التي يواجهها المجلس على جميع الُصعد فأين تكمن الإخفاقات ؟

المستشرف لواقع الأحداث يلمح أن هناك ثمة استهداف في العمق الوطني للمكون الخليجي بعد أن تبعثرت أوراقه ليسهل النيل منه وأن هناك ثمة محركات ظاهرة وأخرى خفية تقودها التكتلات الأممية في بنية العمق الداخلي لكل دولة في الخليج أو بين دولة؟ أو من خارجه ؟ تستهدف مكونات الوطن والنسيج الاجتماعي لأجيال المستقبل الذي يمثل العمود الفقري في المنطقة واللحمة الوطنية التي تمثل الشريان التاجي لأي دولة بين الشعب وقادته!

والمؤسف اليوم أن الخليج فقد بوصلته وأصبح شظايا متناثره قابلة للاشتعال في أي وقت بعد أن غدا فريسة وغنيمة سريعة المنال تحت وطأة التدخلات المباشرة والأجندات والابتزازات الأممية التي تنفذ في العمق الوطني بعد تجريده من مواطن قوته التكاملية والمساس باتفاقيتة الأمنية الخليجية حيث أصبحت كل دوله عضو تواجه منفردة ما يفرض عليها من المنظومة الدولية المهيمنة بفوقية القوة وسطوة السلاح بما ينذر بتآكل اقتصاداتها ومدخراتها وحقوق مواطنيها وأجيالها القادمة . 

إن التدخلات الدولية السافرة في شأن كل دولة داخلياً والانقسامات بين الخليج  وشعوبه قد تفضي إلى حروب جديدة بالمنطقة وقد تأخذ أشكالاً جديدة من الحروب الإلكترونية، الحروب السيبرانية، والهجمات على النقاط الحساسة  وأجهزة الاستشعار ورموز السلطة ومراكز القرار.

لقد أصبح الوضع مستفزاً للغاية للمكونات الوطنية في المجتمعات الخليجية كما هي للدول العربية والإسلامية.

حيث بدأت مراسم الاستفزاز بتوقيع صفقة القرن وحصار قطر وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل انتهاءً بالتطبيع على المستوى السياسي .

وعلى مستوى السياسات الوطنية جاءت ضغوط المنظمات الأممية متسارعة ومتتالية في السياسات العمالية والسياسات السكانية والسياسات الاجتماعية مستهدفة الداخل الوطني بالوافد السكاني.

وارتفعت مؤخراً وتيرة التقارير والافتراءات الملفقة‏ بشكل حاقد مُدبّر وتسارعت مطالب التعديلات تحت ستار حقوق الانسان باستهداف خلل التركيبة السكانية و(الاستخدام المفرط بإطلاق منظمة العفو والعمل الدوليتين مصطلح الهجرة على العمالة المتعاقد معها بدول الخليج انتهت باستحداث إجراءات مطلقة ومقننه ‏و فورية التطبيق لصالح العمال في نظم العمل الجديدة (التي تعدُ غير مقننة بواجبات أو استحقاقات للمواطن) ومدمرة لقطاع الأعمال ولحقوق أرباب العمل والقطاع الخاص برمته تستهدف في مجملها خلخلة استقرار سوق العمل وضرب ديناميكية الاقتصاد الوطني وكذا الأمر عند تشريعة على العمالة المنزلية، والأكثر خطورة من الأمرين على المستوى الأمني بالونات الاختبار التي يطلقها "الوكلاء المحليون" -غطاء هذه المنظمات- بالغاء نظام الإبلاغ عن العمالة الهاربة" كمدخل بالغ الخطورة لزعزعة الأمن القومي وسط تخوف المحللين والأوساط المجتمعية من مخاطر قوانين أخرى صدرت بحق التملك والإقامة الدائمة في دول الخليج ذات محفزات وطنية مغرية ومكلفة جداً سيكون لها تبعاتها على المنطقة بقدر ارتباطها بمستقبل القرار السياسي.

ومثل إدخال مفاهيم الجندر ‏أعني منهم (الجنس الثالث) استهداف مباشر للسياسات الاجتماعية ولأحكام الشريعة الاسلامية بهدف ‏زعزعة ‏العقيدة والعقد الديني وتفتيت النسيج الاجتماعي وهدم الأسرة الذي بدأ بتحجيم دور الدين وأجهزة الشؤون الاسلامية والدخول على مناهج التعليم ‏بإدخال اتفاقية القضاء على كافة أشكال ‏التميز ضد المرأة (سيداو) حيز النفاذ والتي تتضمن في كثير من بنودها ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية كقضايا الجندر والنوع الاجتماعي وحرية المعتقد والدين والتحلل من القوامة والولاية الأسرية . 

ولايقل عنه خطورة ضرب النسيج الاجتماعي في الخليج العربي بعد قطع الروابط الاجتماعية بين‏ العوائل الممتدة أوبنشر مفاهيم التحلل القيمي الذي استهدف مكونات الأسرة في المجتمع الخليجي المحافظ ‏والذي شجع الفتيات على الهروب بدافع الحقوق الفردية وما هي إلا أجندات مسيسة والدليل استغلالهم كأحداث ضد أوطانهم ودينهم ومجتمعاتهم ‏مما أدى إلى انتهاك حقوقهم كأحداث و أطفال فأين حقوق الطفل والأحداث ‏التي يتبنون ؟

كما مثلت تدخلات (منظمة هيومن رايتس واتش) مؤخراً تحدياً سافرا لأحكام الشرع وحدود الله والسياسات الوطنية وقوانين العقوبات النظامية في الدول الخليجية المسلمة المعنية بتجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج، مطالبة بتحديً سافر السلطات السماح بهذه العلاقات أوعدم الإبلاغ عن اختفاء الفتيات عن ذويهم وإلغاء القوامة ووصاية الأسره على ابناءها ‏وفيه تمييع للدين والقيم وأخلاقيات البشرية بل وحقوق المرأة والطفل التي نصت عليها الدساتير والاتفاقيات الدولية.

‏وهنا تجدر الإشارة لطرح مجموعة من التساؤلات ونوجهها للقائمين على السياسات والبرامج الوطنية ‏ووزارات العمل ‏والشؤون الدينية والاجتماعية في الدول الخليجية ومتطلبات التوفيق والموائمة والتحوط مع ما تنطوي عليه أجندة الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية ‏التي تتكون من لوبيات بل عصابات منظمة ومن يقف وراءها ووراء تمويلها ؟

  • ماهي درجه الموثوقية في التقارير والأفلام التي تعرضها هذه المنظمات؟

  • وماهي أساليب دولنا في التحقق من هذه الادعاءات الباطلة والرد عليها؟

  • وكيف تناقش هذه المنظمات شؤون المجتمعات الخليجية بمعزل عن مؤسساتها ؟

  • وكيف يتم التدخل في خصوصية شؤون المجتمع والحرم الأسري وعلى رأسها الشأن الديني والتعمد في تشويهها؟

  • وكيف تسمح هذه المنظمات لنفسها أو نسمح لها كشعوب بالتطاول على القيم الدينية والإجتماعية التي تربى عليها المجتمع الخليجي إنطلاقا من المعتقد والموروث الحضاري والثقافي في مفارقة عجيبة لمنظمات تشهد بلدان منشأها العديد من حالات الإنتهاك لحقوق الإنسان وإمتهان المرأة ؟

وهل سأل سائل منكم ماهي الأهداف المبطنه من الإصرار بإطلاق الاصطلاح اللفظي للعمالة المهاجرة على العمالة الوافدة بعقود ؟

ولماذا ‏يتم ابتزازنا واستهدافنا بغطاء أممي ؟

ولماذا تغض هذه المنظمات الطرف إن كان هناك انتهاك صارخ لحقوق الإنسان يُرتكب بأيدي أحد مشغّليها؟
‏ولماذا لا تسلط الضوء على سوء أوضاع العمالة المنتهكة من قبلهم في دولهم‏ أو تلك التي تصنع لهم محميات أو مدن في دول أخرى بأدنى أجر وأقل ظروف معيشية؟

‏وأخيراً لماذا لا تكون لنا نحن دول الخليج منظمات حقوقيه أو أصوات مقابل ماندفعه للمنظمات ؟ نعلم أن مجلس الخليج على شفا حفرة ... ولكن آن الأوان للتحرك المحلي والإقليمي وآن لكل دولة ‏أن تطالب بحقها بما تفرضه سيادتها ومقابل ما تدفعه للمنظمات.

‏ونحن في حلم الاتحاد الخليجي أفقنا على حصار إقليمي وارتدادٌ أمني :

لقد تآكلت الأسس والمرتكزات التي بني عليها مجلس التعاون الخليجي والتي تكون بموجبها كاتحاد إقليمي عربي على المستوى السياسي و الاقتصادي في ٢٥مايو ١٩٨١ الذي جاءت فكرة إنشاءُه لسد النقص الذي خلفته" المملكة المتحدة " بعد خروجها من الخليج العربي بعد أن توصل قادتة إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين وصولاً إلى الوحدة الخليجية حيث بني المجلس على الثوابت الأساسية لمسيرة العمل الخليجي المشترك، والمصير الواحد لشعوب المنطقة منذ ٣٩ عاما ؟! 

لقد وصل الخليج لنفق مسدود في تنفيذ آليات ‏الإطار العام للعمل التنموي الخليجي المشترك المرتبط بالقضايا الثمانية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمعتمدة باستراتيجية التنمية الشاملة المطورة والموحدة لدول مجلس التعاون للأعوام بين ٢٠١٠ و٢٠٢٥ والتي حققت تقدماً ملموساً فيما مضى ؟

لقد تشرذمت الاتفاقيات والقوانين الموحدة التي تنظم العلاقة التبادلية والتضامنية بين الدول الأعضاء بالمجلس القائمة على أساس التكامل الاقتصادي والاجتماعي والاحترام المتبادل بين دول الخليج العربي دون تدخل أي دولة في شوون وسيادة أي دولة أُخرى عضواً بهذا المجلس، تلك الاتفاقيات التي تراجع عهدها و تلاشى دورها بعد أن حقق الخليج مستويات متقدمة في علاقات التعاون البيني والتبادل التجاري والأنشطة الاقتصادية ومؤشرات التنمية البشرية واقتصاد المعرفه والتنافسية الدولية والحسابات القومية والاتفاقيات الموحدة في الجمارك / والإحصاءات / وشبكة الكهرباء/ ومشروع السكك الحديدية / وقضايا السكان والهوية القومية وفي المنظومة الدفاعية الموحدة التي مثل فيها "درع الجزيرة" ‏درعاً حصينا في الأحداث والمواجهات الإقليمية التي مرت بها المنطقة وتعثرت فيها برامج أخرى كالسوق الخليجية المشتركة والعملة الموحدة..الخ.

لقد تحولت الغايات الاستراتيجية للتنمية الشاملة للمجلس بوجود مهدد خفي على مستوى التخطيط التنموي حيث تحولت متابعة الأهداف الإنمائية للألفية التي انقضت عام ٢٠١٥ بمزاعم الانتهاء من تحقيقها تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وهي لاتنطبق على الدول الغنية بالنفط إلى قضايا التنمية المستدامة ٢٠٣٠ والتي تتابعها تلك المنظمة من منظور أممي وأولويات دولية مع أجهزة التخطيط في الدول الأعضاء بالمنطقة والتي ترجمتها دول مجلس التعاون الخليجي في الرؤى الوطنية والاستراتيجيات الوطنية للتنمية وفي السياسات الاقتصادية وخطط تعزيز وحماية حقوق الإنسان والتي مثلت هي الأخرى شكلاً آخر من أشكال التدخل في الشوون الداخلية للدول وسبب في هيمنة المنظمات الأممية الحكومية وغير الحكومية عليها لتحقيق أهدافها وتتم متابعة البرامج التنموية تحت إشراف ورقابة أدوات الرأسمالية العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) وتحت وطأة تقارير المنظمات المعنية بمتابعة حقوق الانسان (العفو الدولية والعمل الدولية) و(هيومن رايتس واتش).

لقد فقد الخليج توازنه العسكري الناجم عن صراع القوى وتأرجح التزامات الولايات المتحدة تجاه أمن المنطقة الذي ضعفت قوته على مستوى الدفاع المشترك "بدرع الجزيرة" بعد انقسام المجلس على نفسه بحصار قطر .

كما أضعف انشقاق الأشقاء في الخليج بعد حصار قطر "القوة التفاوضية" للجان الوزارية بمجلس التعاون في مواجهة التحديات والضغوطات الدولية عبر العمل الخليجي المشترك المعهود سابقاً بين دول المجلس.

المحصلة الحقوقية إن دخول اتفاقية سيداو ‏وفروض الولاء والطاعة العمياء بمسمى (قوانين عماله) حيز النفاذ ‏الفوري دون مهلة لتوفيق الأوضاع يؤذن بالمزيد في الخليج على شكل صكوك إذعان في بلاد العربان وتنفذها دول المجلس كصكوك غفران لصالح الغربان.

هذه الصكوك تشكل مجتمعه هدم لمعتقد الأمة وتهديد وجودي لدول الخليج العربي وأمنه واستقرار شعوبه ومستقبله السياسي برمته.

حيث يتضح بجلاء وبما لايدع مجالاً للشك ونحن نتابع ونراقب عن كثب كثافة التقارير الدولية التي تمثل مساس مباشر ببعض أحكام الشريعة الإسلامية والتي تقضي فيها الدساتير الخليجية بأنها دول عربية مستقلة ذات سيادة دينها الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، 

كما تمثل بهذة الوضعية أيضاً تدخلاً بأحكام قوانين حماية المجتمع والأمن المجتمعي وقوانين العقوبات النظامية وبعض قوانين الشأن العام والخاص في المجتمع الخليجي .

لا نجادل في مشروعية وجود منظمات حقوق الإنسان ‏فنحن نطالب بها لنا قبل غيرنا أيضا ونؤمن بشرعيتها لكن عندما تمارس دورها بمنتهى الحياد والموضوعية، دون التدخل في خصوصية المجتمع وشؤونه الداخلية أو أي أمر يمثل مساس بالسيادة ومسائل الشأن العام (ولكن السؤال الذي من الجائز طرحه على سبيل المثال :أين منظمات حقوق الإنسان من واجباتها تجاه بقية الحقوق الوطنية ، فهل غفلت هذه المنظمات أم تغافلت عن مدى الارتباط التبادلي بين الحق والواجب عندما تمت محاصرة شعب قطر وعندما طرحت حقوق العمال دون أخذ الاعتبار الوطني لأدنى حقوق ( أرباب الاعمال ) ، وماعدا ذلك فاحترام الدستور والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة والالتزام بالنظام العام والاداب العامة ومراعاة التقاليد الوطنية والاعراف المستقرة واجب على من يسكن الدولة أو يحل بأقليمها.

الأمر ليس بالهين والتداخلات كثيرة والأزمات قاسية ، لكننا نأمل أن تُذكرنا جائحة "كورونا" بأن الإنسان هو عمود التنمية والمواطن هو عمودها الفقري وغايتها وإن العلاقات الإنسانية تبنى على التكافل الاجتماعي والمودة والرحمة التي جاء بها الإسلام قبل أربعة عشر قرن لا على تكالب الأمم الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا ونحسب أنهم يحسنون صنعا.

فهل نسيت المنظمات الدولية أو تتناسى بتدخلاتها هذه بأن الشعوب في دساتير الدول هي مصدر السلطات ؟

على دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز القوة التفاوضية وتكوين فرق عمل وطنية تتعامل مع المنظمات الأممية.

وعلينا تقوية القاعدة الشعبية في الخليج ‏لمواجهة هذه التدخلات لأن الرهان لكل خليجي وطن .

وعلى دولنا على المستوى القُطري الدفاع عن سيادتها أمام الشكل الجديد للإستعمار لدول الخليج وانتهاك حقوق أراضيه وشعوبه حتى ‏لا نتحول (لهنود حمر) وأقليات في أوطاننا وحتى لا تتعرض أنظمتنا وحكوماتنا للهيمنة الدولية.



فاطمة بنت راشد الخاطر

خبير في شؤون الاستراتيجيات والسياسات وحقوق المواطنة


       

تعليقات

  1. مقال ممتاز فيه من الحقيقه الكثير بيض الله وجهك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنظمات الأممية والتدخل في سيادة الدول ١-٢

وقفة متأنية بين حقوق العمّال وحقوق أصحاب العمل

الحالمون واليوم الوطني